تُعد سوريا عبر تاريخها الطويل مهدَ حضاراتٍ وثقافاتٍ متنوعة، حيث تعايشت مكوناتها الاجتماعية من مسلمين سنة وشيعة وعلويين وأكراد ودروز تحت راية واحدة، مُشكّلةً نسيجاً وطنياً فريداً. وقد برز دور هذه المكونات مجتمعةً في مقاومة الاحتلالات الخارجية وحماية الأرض والهوية السورية، مما جعل منها نموذجاً للصمود والوحدة في وجه التحديات.
دور المكونات السورية في المقاومة التاريخية:
الأرمنيون:
واجه الأرمنيون، الذين استقروا في سوريا هرباً من الإبادة العثمانية (1915–1917)، تحديات التهجير والاضطهاد، لكنهم سرعان ما انخرطوا في النسيج السوري، مُساهمين في الحياة الاقتصادية والثقافية. خلال الانتداب الفرنسي، شاركوا في الحركات الوطنية، مثل الإضراب الستيني (1936)، الذي دفع فرنسا إلى الاعتراف باستقلال سوريا. كما ساهموا في تطوير الصناعات اليدوية والحرف الدقيقة، مما عزز دورهم كجزءٍ من الهوية السورية المُتجددة.
المسيحيون:
لعب المسيحيون السوريون، من شخصيات مثل فارس الخوري ، دوراً سياسياً وفكرياً بارزاً في المقاومة ضد الاستعمار. فارس الخوري، أحد قادة الحركة الوطنية السورية، دافع عن الوحدة والاستقلال، ورفض التقسيم الطائفي، مما جعله رمزاً للنضال المشترك بين كل أطياف الشعب.
كما واجه المسيحيون، خلال الحرب الأهلية السورية، محاولات تهجيرهم أو توظيفهم في صراعاتٍ طائفية، لكن العديد منهم اختار الوقوف إلى جانب الحراك الشعبي السلمي في بداياته.
السريانيون:
حافظ السريانيون، أبناء الحضارة الآرامية العريقة، على هويتهم اللغوية والثقافية رغم كل المحن. أسسوا مؤسساتٍ مثل الجمعية الثقافية السريانية (2023)، التي تعمل على إحياء التراث ودعم الشباب.
تاريخياً، شاركوا في مقاومة الاحتلال العثماني، ورفضوا سياسات التتريك، مما عرّضهم للاضطهاد . كما ساهموا في الحفاظ على التنوع الديني والثقافي في سوريا، خاصةً في مناطق مثل الجزيرة الفراتية والجزيرة السورية.
العلويون:
لعب العلويون دوراً محورياً في مقاومة الاحتلال الفرنسي، حيث شاركوا في ثوراتٍ مسلحة رافضةً لتقسيم سوريا، مثل مقاومة الشيخ صالح العلي في الساحل السوري (1919–1921)، والتي هدفت إلى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
كما ساهموا في تشكيل قوة عسكرية دافعت عن الاستقلال، رغم محاولات الاستعمار تفكيك الوحدة الوطنية عبر إثارة النعرات الطائفية.
السنة:
تصدّر أبناء الطائفة السنية، التي تُشكّل الغالبية في سوريا، جبهات المقاومة السياسية والعسكرية، مثل يوسف العظمة الذي استشهد في معركة ميسلون (1920) دفاعاً عن السيادة السورية
كما قادوا الحركات الوطنية لإلغاء الانتداب الفرنسي، مثل الإضراب الستيني (1936) الذي أسفر عن توقيع معاهدة الاستقلال.
الأكراد:
ساهم الأكراد في شمال سوريا في مقاومة الاحتلال العثماني والفرنسي، وشكّلوا جزءاً من الجيش السوري الحر في معارك التحرير.
كما لعبوا أدواراً بارزة في الدفاع عن الحدود الشمالية ضد التدخلات الخارجية عبر التاريخ
الدروز:
في الجولان وحوران، قاد الدروز مقاوماتٍ شعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي، خاصةً بعد نكسة 1967، حيث رفضوا الاحتلال وحافظوا على هوية الجولان السورية. كما شاركوا في الثورة السورية الكبرى (1925–1927) ضد الفرنسيين
الشيعة:
ساندت الطائفة الشيعية، رغم قلّتها العددية، المقاومة الوطنية، وشاركت في دعم الجبهة الداخلية عبر التنسيق مع الفصائل الأخرى، خاصةً في مواجهة الاحتلالات التي استهدفت تمزيق سوريا
وحدة الصفوف في مواجهة التحديات المعاصرة:
في العصر الحديث، تجلّت وحدة السوريين في مقاومة الاحتلالات والتدخلات الخارجية، مثل:
-
التصدي للعدوان الثلاثي (1956): حيث توحدت كل الفئات السورية لدعم مصر وفلسطين، مما عزز الروح القومية.
-
المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي: حيث شاركت كل الطوائف في دعم الجبهة الفلسطينية ومقاومة الاحتلال في الجولان.
نحو تعزيز الوحدة الوطنية:
رغم محاولات الأعداء إثارة الفتن الطائفية، كما حدث خلال الانتداب الفرنسي أو في الحرب الأهلية السورية، إلا أن التاريخ يثبت أن التضامن بين المكونات هو السلاح الأقوى لدحر الاحتلال والحفاظ على الحرية. اليوم، يُعدُّ تعزيز التعاون بين كل أطياف الشعب السوري، عبر:
-
دعم المؤسسات الوطنية الجامعة مثل الجيش السوري والهلال الأحمر.
-
رفض الخطابات الطائفية التي تُفرق بين أبناء الوطن الواحد.
-
التأكيد على الهوية السورية الجامعة التي ترتكز على التنوع وليس التفرقة.
الخاتمة:
سوريا، بتنوعها وتاريخها، تُعلّمنا أن الوحدة هي أساس الانتصار. فكما واجه الأجداد الاحتلال بسواعدٍ موحدة، على الأجيال الحالية أن تُكمل المسيرة، مُستلهمةً من تضحيات العلويين في الساحل، والسنة في دمشق، والأكراد في الشمال، والدروز في الجولان. فالحرية والاستقلال لا تتحققا إلا بتمسك السوريين ببعضهم، ورفضهم لكل أشكال الترهيب والعدوان.
“سوريا واحدةٌ لا تتجزأ، وشعبها أخوةٌ لا يفترقون” — شعارٌ يلخص ملحمةَ مقاومةٍ تُسطّر بأيدي الجميع.